التسامح والتعايش السلمي
هي السماحة الجود ( سمح به )أي جاد به . والمسامحة المساهلة , وتسامحوا تساهلوا . وهو قريب من الصفح والعفو :قال تعالى : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لأتية فاصفح الصفح الجميل }
والتسامح في الاصطلاح : احترام حرية الأخر , وطرق تفكيره وسلوكه , وآرائه السياسية والدينية . أو هو قبول آراء الآخرين وسلوكهم على مبدأ الاختلاف . إن التسامح خلق إنساني أصيل دعا إليه الإسلام : لأنه يحفظ تماسك الأوطان والمجتمعات وينشر الأمن والطمأنينة فيها فيرفع الحرج في العلاقات بين الناس ويجعل الإنسان يترفع عن الكره والبغضاء وروح الثأر والانتقام ، فهذه صفات تفسد الحياة البشرية على الأرض وتدمرها . وتقطع سبل التفاهم والتعاون بين الناس لذلك يدعو سبحانه وتعالى إلى العفو والتسامح ونسيان الأحقاد والعمل بالحسنى .
قال تعالى : {ولاتستوى الحسنه ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولی حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } .
وقد ضرب رسول (ﷺ) المثل الأعلى في مسامحة أعدائه الذين حاربوا دعوته وأخرجوه من بلده وآذوه وحاولوا قتله ، وعندما نصره الله عليهم يوم فتح مكة المكرمة . قال القريش في حوار نموذجي بين المنتصر والهزوم : ( ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا . أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال (ﷺ) : (أقول لكم كما قال أخي يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم . اذهبوا فأنتم الطلقاء ) .
هذه هي المبادىء السامية التي وضعها الإسلام لتقوم
عليها العلاقات الإنسانية . ويدور في ضوئها الحوار أيا كان نوعه وموضوعه وغايته ، وإذا أخذت المجتمعات والدول بهذه المبادىء في المحاورات فيما بينها تكون قد خطت الخطوة الصحيحة في حل المشكلات ، وتحقيق التعاون فيما بينها مصداقا لقول الله جل شأنه:
{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب}
لذا فمن كان يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد (ﷺ) نبيا ، عليه أن يلتزم تعاليم الإسلام بنبذ العنف والغلظة ويتعامل على أساس احترام إنسانية الأخرين واحترام عقيدتهم وحقهم في اختيار انتمائهم فالله تعالى وهو الخالق العظيم ذي الجبروت يقول قال تعالى:
{ لا إكراه في الدين }. فالاسلام سلم وسلام.
قال تعالى : يا أیها الذين ءامنوأ أدخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشياطان إنه لكم عدو مبين
والعرق الانساني ينبع من أصل واحد هو آدم فكلكم لآدم وآدم من تراب قال تعالى :
{ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}
فالانسان مکرم لإنسانيته . و الإمام علي ( عليه السلام ) يؤكد ذلك فيوصي ( مالك الاشتر ) واليه على مصر التي يكثر فيها أهل الذمة من النصارى فيقول له :( وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان : إما أخ لك في الدين . وإما نظير لك في الخلق .. ) وكذلك مافعله صحابة رسول الله (ﷺ) فقد أعطى عمر ( رضي الله عنه ) أهل إيلياء وأهل القدس أمانة على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم ، وأنهم لا يضطهدون بسبب نصرانیتهم ولا يضار أحد منهم .. ومن أحب من أهل الروم أن
يسيروا بأنفسهم وأموالهم إلى الروم ويخلوا بيعهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم وكثيرة هي القصص المأثورة عن أهل بیت رسول (ﷺ) الله وصحابة رسول الله (ﷺ) التي يبينون فيها خلق الإسلام الرفيع في التسامح والرحمة.
التسامح والتعايش السلمي بين الأديان
يسجل مفهوم التسامح حضوره في عمق التجربة الإنسانية ، ويتبدى في صيغ تتنوع بتنوع المجتمعات الإنسانية في إطار الزمان والمكان والمراحل التاريخية . فقد عرفت الحضارات الإنسانية مفهوم التسامح وما يقابله من مفاهيم العنف والتعصب والعدوان . وقد تجلى هذا المفهوم في مختلف آداب الأديان السماوية السمحاء قال تعالى :{لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد اشتمسك بلعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم}.
قال تعالى : {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شآء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يتم ليبلوكم في ما ءاتكم فاستبقوا الخيرات}.
و قال تعالى :{ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رمم ربك ولذالك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملان جهنم من الجنة والانس أجمعين} .
ولابد من الإشارة الى انه لا يجوز أن يفهم هذا التسامح الإنساني الذي جعله الإسلام أساسا راسا لعلاقة المسلم بغير المسلم على أنه انفلات أو استعداد للذوبان في أي كيان من الكيانات التي لا توافق جوهر هذا الدين .. فمفهوم التسامح يرتبط ارتباطا عميقا بمفهوم السلام . فالتسامح والسلام هما مفهوم واحد بوجهين متشابهين إلى حد كبير ، ولقد كانت هناك ومضات مشرقة في تاريخنا الإسلامي حين يلتزم المجتمع قيم الإسلام . ويطبق تعاليمه وآدابه فتسود حالة الانسجام والتعاون
والتعايش بين التوجهات والانتماءات المختلفة عرقيا أو دينيا أو مذهبيا فسلوك الأئمة والفقهاء والمصلحين في الأمة قائم على أساس احترام التعددية والتنوع في المذاهب ... فالامام جعفر الصادق (عليه السلام) بأمر تلامذته عند أفتائهم للناس . بأن لايتجاهلوا آراء المذاهب الأخرى عندما يكون السائل أو المستفتي تابعا لأحدها . فقد قال لتلميذه : (أبان بن تغلب) وهومن خواص تلامذته . ( انظر ماعلمت أنه من قولهم . وأخبرهم بذلك ) . كما أن الإمام أباحنيفة النعمان قد تتلمذ على يدي الإمام جعفر الصادق (عليه السلام ) لعامين وقال في هذا : ( لولا السنتان لهلك النعمان ) مايدل على الاحترام والتفاهم القائم بين أئمة المذاهب الإسلامية .
ويمكنكَ ايضاً الاطلاع على المقالات التي تتعلق بالاسلام والاستفادة منه:
لقد أثبتت التجارب الإنسانية والحوادث التاريخية حاجة المجتمعات الماسة إلى قيم التسامح والتعايش . ففي القرن السادس عشر عانت أوربا من الحروب والصراعات الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت وانتهى الكاثوليك إلى التسامح مع البروتستانت . على نحو متبادل .
خطر التطرف والتكفير واثارهما في تشويه الإسلام
لعل أشد الأخطار التي تهدد وطننا العراق هو الفتنة الطائفية التي سعى المغرضون وأعداء الدين إلى بثها بين المسلمين ممن يشهدون أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله ويتوجهون إلى قبلة واحدة هي الكعبة من أبناء المجتمع الواحد الذين جمعهم الدين وجمعتهم علاقات حميمة فتلاحم أفراده وجمعتهم المصاهرة والنسب . فلقد سعي أعداء الدين الذين تقف خلفهم سياسات وغايات إقليمية واستعمارية الى قتل ابناء الشعب بايدي ضعاف النفوس والجهلة والمرتزقة ومن خلال بث الفكر التكفيري البعيد عن قيم الإسلام بعد السماء عن الأرض فأولا كان الإرهابي يكفر من لاينتمي الى الإسلام من المسيحين وغيرهم . ثم راح كفر المسلمين من لاينتمون الى طائفته وبعد ذلك صار بكفر جميع من يخالفه في الرأي من أبناء مذهبه باتهامه بالردة والتخاذل وغيرها من الاتهامات الزائفة .فأحرقوا الأرض والحرث والنسل وخلفوا اليتامى والأرامل كل ذلك باسم الإسلام وحت راية ظاهرها الإسلام وحقيقتها هدم الإسلام .
فننتج عن ذلك :
- تشويه صورة الإسلام وصورة المسلمين وإظهاره بوصفه دين ارهاب وقتل واستباحة للمحرمات ، فقتلوا واغتصبوا الحقوق وانتهكوا الأعراض حتى اصبح غير المسلمين ينظرون لكل مسلم بانه ارهابي متخلف وقاتل . في حين أن الإسلام جاء رحمة للعالمين قال تعالى : {وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين}ومثل ذلك في الحديث الشريف إذ يقول رسول الله (ﷺ) : المسلم من سلم الناس من لسانه ويده . وكلمة الناس تعني جميع الناس بلا استثناء .
- استباحة الحرمات وانتشار العنف والقتل والدمار وهدم المؤسسات والمقدسات
- فقدان الأمن والطمأنينة ، وتهجير الأسر الآمنة وانهيار المجتمعات واستباحة الأوطان . لذا وجب علينا رفض العنف والتطرف والفكر التكفيري وإن رفض العنف يجب أن ينبع من داخل الأفراد أنفسهم في المستوى الأول . لأن سعي الحكومات لوحدها لن يف أبدأ بالغاية ، وهذا يتطلب وجود إيمان كبير من الأفراد برفض العنف في مختلف صوره ومظاهره ، ومن الناحية العملية ، فان كل تجارب فرض الأفكار والمعتقدات هي تجارب فاشلة وذات تأثير وقتي ومحدود . إن ماينتج عن هذا الفرض والرفض للاخر هو حالة العداء والصراع إذ يتحصن اتباع كل مذهب في خندق مذهبه ويعبئون أفرادهم جاه المذهب الآخر وتزداد حالة التشنج والعداء . وحصل قطيعة وتنافر ، وتضطهد کل جهة الجهة الأخرى التي تعمل بدورها للدفاع عن نفسها والانتقام من الطرف الآخر وهكذا يدخل المجتمع في نفق الصراع الداخلي .
(صلاح شأن الناس التعايش) .كيف ترتقي مجتمعاتنا الى مستوى التسامح والتعايش الحضاري ؟ كيف نتسامى على عوامل الخلاف والتمزق . وأسباب القطيعة والتنافر ؟ وكيف يكون تنوعنا وتعدد انتماءاتنا إثراء التجاربنا وانضاجا لأرائنا وأفكارنا ؟ وكيف تتحقق الوحدة الإسلامية لكل مجتمع في بلاد المسلمين وعلى مستوى الأمة جمعاء ؟ إن المسؤولية تقع على عاتق الجميع . فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .كما
يقول رسول الله (ﷺ) في الحديث الشريف . وفي الدرجة الأولى فان الحاكمين في البلاد الإسلامية يتحملون مسؤولية رئيسة في توحيد شعوبهم . وتوفير أجواء التعايش . والانسجام بينهم . على أساس الحق والعدل . ومنع أي تمييز قومي أو طائفي ، أن علماء الدين ينتظر منهم القيام بأهم دور في الدعوة الى الوحدة والوئام . وتحذیر الناس من النعرات القومية والفتن الطائفية ، ولا يجوز أبدا أن يمارس عالم الدين دور إذكاء روح التعصب المذهبي بمسوغات واهية زائفة ، وفي ذلك يقول الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام) :
(فلا تخاصموا الناس لدينكم فان المخاصمة ممرضة للقلب).
أما رجال الفكر والأعلام فعليهم أن يوجهوا أقلامهم وجهودهم . لإشاعة روح التسامح والتقارب . ومحاربة توجهات التشدد والتطرف . التي يغذيها الأعداء وينميها الجهل وأن لا يكونوا أدوات للأعداء . وأخيرا فإن كل مواطن واع . يجب عليه تحمل مسؤوليته في صنع الوحدة الوطنية الإسلامية والانسانية بسلوكه القويم وتعامله السليم مع سائر أخوانه من أبناء البلد .
مفهوم التسامح
إن مفهوم التسامح يمثل جوهر مفهوم حقوق الإنسان ومنطلقه . فإن التسامح هو المشهد الإنساني الذي تغيب فيه مظاهر العنف , وتعلو فيه قيم السلام . وهذا يعني أننا أمام مفهومين يتنافیان تماما فالتسامح يعني غياب العنف والتعصب .فالعنف والتعصب يعنيان غياب التسامح وبالتالي غياب السلام .
وإن تطبيق التسامح يعني ضرورة الاعتراف بان لكل واحد حقه في حرية اختيار معتقداته . والقبول بأن يتمتع الآخر بالحق نفسه كما يعني بأن لا أحد يفرض آراءه على الأخرين . فالتسامح هو قبول الآخر على علاته .وعكس التسامح هو التعصب . وتعد العنصرية أشكالا تنافي مبدأ التسامح والتعايش . إن مهمة التسامح هي تأمين التعايش المشترك في وجود التباين والاختلاف.
ومن ثم الحفاظ عليهما , وحماية ما تنطويان عليه من قيم أساسية للوجود الإنساني . فالفرد الذي يكون علاقة سلمية مع الأخر خالية من كل أنواع التهديد والعنف والخوف يجد نفسه في حالة سلم مع ذاته وحالة سلام مع كيانه الذاتي .
فالإنسان عندما يريد أن يحظى باحترام الآخر يجب عليه أن يبادله الاحترام في البداية . فنحن نحترم الأخر لنحظى باحترامه . واحترام الآخر هو محاولة إيجاد المسافة الصحيحة معه ، وتلخيصا لما يريده الجميع الذي نسعى اليه . نقول :
- نريد أن يحترم بعضنا بعضا وتريد ضمان الحقوق والحريات للجميع .
- أن ندرك حرمة الانسان . ونحترمها قال تعالى : {من أجل ذالك كتبنا على بني إسرآءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا ألناس جميعا ولقد جآءتهم بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذالك في الأرض لمسرفون}
- نريد أن نحيا على وفق منهج القيم العليا من الرحمة والمحبة والتعاون والسلام التي دعا اليها الإسلام و دعت اليه ، كل الأديان .
- علينا أن نفهم أن حساب الناس على دينهم وانتمائهم يعود لله تعالى : قال تعالى : {إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم}
- أن نسعى الى بناء مستقبل باسم والعيش في بلد آمن ومزدهر وحياة كريمة .
- نريد لشبابنا حياة آمنة سليمة من التطرف والغلو فيضمنوا بذلك سلامتهم وأمنهم وسعادتهم . وان كل مانسعى ونصبو إليه لن يتحقق الا إذا عم التسامح بيننا وتمكنا من التعايش السلمي أعزائنا لقد منح الله الإنسان العقل ليميز بين الحق والباطل . لذا وجب علينا عدم الانجراف خلف الادعاءات المغرضة وسبحانه وتعالى واهب الحياة وهو وحده له حق سلبها . وان رسول الله (ﷺ) في حجة الوداع قال : ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) ، وعلينا أن ندرك أننا جميعا في قارب واحد من سعى الى إغراقه يكون قد غرق هو أيضا . لذا وجب الحذر من كل فكر يدس السم بالعسل فما لاترضاه لنفسك يجب أن لا ترضاه لغيرك . فديننا الإسلامي الحنيف ، محبة وسلم وسلام وإغاثة ملهوف وأعانة المحتاج واحترام خصوصية الآخرين . فهو أعظم الأديان وخاتمها وقد أدينا في احترام الخصوصية الشخصية حتى في أبسط الأمور .
فاين هؤلاء الأدعياء من الإسلام الحق وهم يقطعون الطريق على الناس ويسلبونهم أموالهم ويستبيحون حرماتهم . ولقد رأينا كيف ضرب رسول الله (ﷺ) أروع الأمثلة في التسامح مع غير المسلمين فكيف الحال مع المسلمين الذين حرمتهم كحرمة بيت الله بل أعظم كما جاء في حديث رسول الله (ﷺ)
انتهى الموضوع ...
شكرا لكم